لقد انبعث في صدر الإسلام رجال يفخربهم الزمان ؛ وكما أسسوا النفوس الكبار والعباقرة العظام استطاعوا ايضاً أن يأسِّسوا البلاد والمدن والحصون والقلاع التي يفخر بها المسلمون حتى اليوم ؛ نخاطب ذلك القطاع العريض من المجتمعات على اختلافها والذين لا يعرفون إلا لندن و باريس و نيو يورك نحاول أن نذكرهم بالمدن التي أسسها المسلمون الأوائل بقدر ما اتيح لهم آنذاك من قدرة وقوة ومنعة ونظاماً وعمارة لا تزال أصابعها تؤثر لليوم في دنيا الناس ؛ نريد أن يعرف الناس القيروان وسمرقند وحلب وبغداد وقرطبة وغيرها ؛ إن مؤسس القيروان بعد أن فرغ من تأسيسها جمع الصالحين وظل يدعو { .....اللهم املأها علماً وصلاحاً وثقاً وصالحين عاملين ؛ والناس يرددون أمـين } بمثل هذه النية الصالحة أسس سلفنا الصالح رضى الله عنهم وارضاهم اجمعين بلادهم ؛ في حين تجد تلك البلاد التي تنمو نمواً حثيثاً بمر الدهور ؛ إنما هو أمر طبيعى لتطور الزمن ؛ فما أفخر بلاد الغرب اليوم إلا تراكم لجهود غير مرتبة ؛ لم تُبنى على نيات صالحة كما هو الحال في بلادنا ؛ ومدننا الإسلامية في الأندلس خير شاهد على ما أقول والتي لا تزال شاخصة في سماء ( أسبانيا ) بعض معالمها حتى اليوم رغم مااصابها من تشويه وطمس مُتعمد وغير مُعمد من عوادي الزمان .
مـكة المكرمة
تقع مكة المكرمة في إقليم الحجاز على بعد 70 كيلومتر شرق مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية على خط 27 & 21 شمالاً وخط طول 49 & 39 شرقاً ؛ وقيل سُميت بمكة لأنها تمك الذنوب ؛ وقيل لأن الماء بها قليل ؛ وقد ذكرها القرآن الكريم بعدة اسماء : مكة ؛ بكة ؛ القرية ؛ أم القرى ؛ البلد الأمين ؛ وترتبط نشأة مكة بقصة سيدنا إبراهيم الخليل وابنه إسماعيل عليهما السلام عندما أمر الله تعالى إبراهيم أن يذهب بابنه إسماعيل إلى الوادي الذي أقيمت فيه مكة بعد ذلك { ربنا إنى أسكنت من ذريتى بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم } ( إبراهيم : 37 ) ؛ وجاءت قبيلة جرهم وسكنت هذا الوادي بعد أن فجر الله ماء زمزم لإسماعيل وأمه ومن هنا كانت نشأة مكة ؛ ثم تزوج إسماعيل عليه السلام من قبيلة جرهم وزحف العمران إلى مكة واتسعت وذاعت شهرتها بين المدن ؛ أمر الله إبراهيم الخليل أن يقيم قواعد المسجد الحرام بها ؛ وبذلك أصبحت مكة مكاناً مقدساً زادها الله تقديساً وتشريفاً ؛ ثم أمر الله إبراهيم الخليل أن يؤذن في الناس بالحج فأتى الناس من كل فج يطوفون بها ؛ استمرت قبيلة جرهم في خدمة الكعبة المشرفة ورعاية زوارها ؛ ثم حلت قبيلة خزاعة مكانها ثم انتقلت الخدمة والرعاية إلى قريش حتى وصلت إلى قصي بن كلاب الجد الرابع للنبي صلى الله عليه وسلم ؛ أسس قُصى دار الندوة بالقرب من الكعبة للتشاور في الأمور المهمة ؛ ثم حدث في عام 571 م أن أراد أبرهة ملك الحبشة هدم الكعبة فساق إلى مكة جيشاً عظيماً يتقدمه فيل ضخم فهزمه الله وأرسل عليه جيشاً من الطيور ترمى الجيش بحصى صغير فأبيد الجيش عن أخره ؛ وفى هذا العام ولد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ؛ كانت بمكة مولد الرسول صلى الله عليه وسلم وبها بعث واستمر 13 عاماً بها يدعو قريش ومن جاورهم من القبائل إلى الإسلام ؛ هاجر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ثم عاد بعد 8 أعوام ففتحها وأصبحت بذلك لمكة مكانة عظيمة في قلوب المسلمين جميعاً إلى يومنا هذا ؛ وكانت لمكة قبل الإسلام شهرة ثقافية وعلمية وتجارية عظيمة ؛ واختصت سوق عكاظ بمكة بنظام جعلها أحسن أسواق العرب إذا اتسع لجميع قبائل العرب ؛ ولم تكن عكاظ سوقاً للتجارة فحسب بل كانت سوقاً للخطابة والشعر أيضاً ؛ ولمكة في الإسلام مكانة لا تدانيها مكانة؛ فبها الكعبة وحولها بيت الله ؛ وبها معالم الحج ومناسكه كلها ففي مكة جبل عرفات الذي يشهد أهم أركان الحج ؛ ومنى التي يمكث الحجاج بها أياماً في فريضة الحج ؛ وفى مكة رابطة العالم الإسلامي ؛ ولقد شهدت مكة في العهد الحديث اتساعاً وتنظيماً وعدة طرق حديثه وأنفاقاً تيسر السير بها ؛ وقد شهد ايضاً المسجد الحرام أقصى اتساع له وبنى بأحدث وسائل العمارة الإسلامية فصار يتسع في المواسم لمليوني مصلٍ به .
المــدينــة المنــورة
ثاني الحرمين الشريفين وأول عاصمة للدولة الإسلامية وبها مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وفى ثراها قبره صلى الله عليه وسلم ؛ وتقع في إقليم الحجاز على خط طول 36 & 39 شرقاً ؛ وكانت قبل الإسلام تسمى يثرب نسبة إلى يثرب بن قائد بن عبيل من عرب العمالقة للذين ملكوا البحرين والحجاز ومصر ؛ وللمدينة أسماء كثيرة منها : طيبة ؛ طابة ؛ العذراء ؛ القاصمة ؛ دار الهجرة ؛ وكان للمدينة موقع فريد فقد كانت القوافل التجارية بين اليمن والشام تمر بها محملة بالخيرات ؛ وكان اليهود قد هاجروا إليها فارين من الاضطهاد البابلي والروماني وكانت قبائل بنى قريظة وبنى النصير وبنى قينقاع أول القبائل التي هاجرت إلى المدينة من اليهود ؛ ثم نزل الأوس والخزرج وهما قبيلتان قحطانيتان جاءتا من سبأ في اليمن قبل حادثة سيل العرم وخراب سد مأرب وسكنتا المدينة المنورة ؛ ولما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم انتهت الحرب التي كانت دائماً تقوم بين الأوس والخزرج بسبب إيقاع اليهود بينهم وآخى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بين الأوس والخزرج { والذين عرفوا بالأنصار } والمهاجرين وأبرم معاهدة مع اليهود ؛ وكان أول عمل عمله رسول الله صلى الله عليه وسلم هو بناء المسجد وأصبحت المدينة ذات دور بارز في تاريخ المسلمين حيث أصبحت المدينة بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم ذات كيان سياسي وعسكري وكانت هي عاصمة الدولة الإسلامية الأولى ؛ وظلت كذلك بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم مقراً للخلافة الإسلامية في عهد الخلفاء الثلاثة الأُول وذلك حتى منتصف رجب عام 36 هـ ثم انتقلت عاصمة الخلافة إلى الكوفة في عهد على بن أبى طالب ثم تحولت العاصمة في عهد معاوية إلى دمشق مع احتفاظ المدينة بمكانتها الدينية ؛ واشتهرت المدينة بمجموعة من العلماء ومن أشهرهم الإمام مالك إمام دار الهجرة وفقهاء المدينة السبعة وهم : سعيد بن المسيب ؛ وعروة بن الزبير ؛ والقاسم بن محمد ؛ وأبو بكر بن عبد الرحمن ؛ وخارجة بن زيد بن ثابت ؛ وعُبيد الله بن عبدا لله بن عتبة بن مسعود ؛ وسليمان بن يسار ؛ وكما اشتهر فيها من القراء الإمام نافع ؛ ويوجد بالمدينة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ومسجد قباء وجبل أُحد ومقابر شهداء أُحد والبقيع ومسجد الميقات بذي الحليفة ؛ ومر مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بعدة تطورات وتجديدات عبر التاريخ حيث أصبح في زماننا هذا يتسع إلى أكثر من مليوني مُصل في المواسم .
القـــــدس
يقول الله تعالى عن المسجد الأقصى { الذي باركنا حوله } (الإسراء :1) وماحوله هي مدينة القدس ؛ وتقع مدينة القدس على خط طول 35 درجة ودائرة عرض 31 درجة ؛ وتعد مدينة القدس من أقدم مدن الأرض وترجع نشأتها إلى سنة 3000 ق.م ؛ وبها المسجد الأ قصي الذي يعد من أقدم المساجد بعد المسجد الحرام ؛ فقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم سٌئل أي مسجد وضع في الأرض أولاً ؟ فقال{ المسجد الحرام ؛ فقيل : ثم ماذا ؟ قال : المسجد الأقصى ؛ قيل : كم بينهما ؟ قال : أربعون عاماً } (رواه البخارى )؛ ودخل الفتح الإسلامي القدس بعد هزيمة الروم في معركة اليرموك فأصبح الطريق مفتوحاً إلى بيت المقدس ؛ فطلب أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه من الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يأتي إلى المدينة ؛ لان سكانها يأبون التسليم إلا إذا حضر خليفة المسلمين شخصياً لتسليم المدينة ؛ فذهب عمر رضي الله عنه إلى بيت المقدس سنة ( 15 هـ / 636 م ) وأعطى الأمان لأهلها وتعهد لهم بأن تُصان أرواحهم وأموالهم وكنائسهم ؛ وبألا يسمح لليهود بالعيش بينهم ومنح عمر رضي الله عنه سكان المدينة الحرية الدينية مقابل دفع الجزية ورفض أن يصلى في كنيسة القيامة حتى لا يقلده الناس في هذا ؛ ثم ذهب رضي الله عنه إلى موقع المسجد الأقصى فأزال بيده ماكان على الصخرة من أقدار وبنى مسجداً في الزاوية الجنوبية ؛ وللمسجد الأقصى في الإسلام مكانة عظيمة فقد كان أولى القبلتين ؛ وصلى إليه صلى الله عليه وسلم سبعة عشر شهراً ثم اتجه جهة المسجد الحرام ؛ ومن المسجد الأقصى عُرج برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء بعد أن أُسرى به ليلاً من المسجد الحرام إليه وصل بالأنبياء جميعاً فيه قبل رحلة العروج ؛ وعلى مر العصور الإسلامية أظهر الأمراء والخلفاء المسلمون اهتماماً عظيماً بهذه المدينة المباركة ؛ ففي عهد بنى أمية بنى عبد الملك بن مروان قبة الصخرة المشرفة عام ( 72هـ / 691 م ) ؛ وأقام الوليد بن عبد الملك المسجد بعد ذلك بسنوات قلائل ؛ وواصل الخلفاء العباسيون الاهتمام بالقدس حتى ضعفت الدولة الإسلامية واحتل الصليبيون المسجد الأقصى قرابة 100 عام حتى طهره صلاح الدين الأيوبي رحمه الله ؛ ثم نالت القدس عناية عظيمة في ظل الدولة العثمانية وظلت القدس آمنة حتى ضعفت الدولة العثمانية وسقطت الخلافة الإسلامية ودخل اليهود القدس ؛ ولا تزال القدس تحت الاحتلال الصهيوني حتى اليوم ؛ نسأل الله جل وعلا أن يخلصها من أيديهم ويطهرها من رجسهم .
القاهرة
تقع مدينة القاهرة على ضفتي النيل ويعود تاريخ مدينة القاهرة إلى الفتح الإسلامي لمصر على يد الصحابي الجليل عمر وبن العاص رضي الله عنه عام 21 هـ ؛ ولقد كان من هدى المسلمين في فتوحاتهم أن تأسسوا في الأقطار التي يفتحونها عواصم جديدة يختارون موقعها بما يتفق ومصلحة الإسلام ؛ فقد أسس عمرو بن العاص مدينة الفسطاط شمال حصن بابليون حيث عسكرت قوات المسلمين للمرة الأولى ؛ ولما انتقلت الخلافة إلى بنى العباس أسسوا حاضرة أخرى جديدة لدولتهم الناشئة إلى الشمال الشرقي من الفسطاط عرفت بأسم الحمراء القصوى ؛ ثم شيد الفضل بن صالح مدينة العسكر ؛ وبمرور الأيام اتصلت العسكر بالفسطاط ؛ ثم أسس أحمد بن طولون مدينة القطائع عام 256 هـ متأثراً في تخطيطها بمدينة سامراء ؛ ثم استولى الفاطميون على مصر فأسس جوهر الصقلي مدينة القاهرة عام 359 هـ ؛ وبنى حولها سوراً من اللبن على شكل مربع وطول كل ضلع من أضلاعه 1200 ياردة على مساحة تبلغ 340 فداناً ؛ تميزت القاهرة منذ إنشائها بجمال مبانيها فقد تناوب حكام الفاطميين والأيوبيين والمماليك تعميرها فكانت على أحسن ما يكون ؛ وظلت القاهرة على مر العصور في التوسع والبناء لا سيما في عصر السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي ؛ ومن معالم القاهرة جامع عمر وبن العاص والمسجد الأزهر ؛ ولقد اشتهرت القاهرة على مر العصور بالعديد من المساجد فهي أول مدينة يدخلها الإسلام في أفريقيا ؛ وكان الاهتمام بإنشاء المساجد بها متزايداً لدرجة أنه أُطلق عليها مدينة الألف مئذنة ؛ كما أُنشأ بها العديد من الأسواق والمستشفيات والحدائق والمكتبات والمدارس القديمة لا سيما في عصر صلاح الدين الأيوبي ؛ وكما برز بالقاهرة العديد من الشخصيات العلمية في مختلف المجالات ففي العلوم الشرعية اشتهر الإمام الشافعي والليث بن سعد وأبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله ؛ ومن علماء اللغة جلال الدين السيوطى والذي برز كذلك في علم الحديث والفقه والتفسير وعلوم القرآن وابن منظور صاحب معجم لسان العرب والزبيدى صاحب معجم تاج العروس والمقريزى وابن هشام وابن حجر وغيرهم ؛ ومن الأطباء داود الأنطاكى وموفق الدين أبو نصر المشهور بابن العين الزربى ؛ وظهر بها كذلك من الرياضيين وفى الهندسة ابن الهيثم عالم الفيزياء والبصريات وابن يونس من الفلكيين .
[size=16]الإسكندرية
تقع مدينة الإسكندرية على خط عرض 31 شمالاً وخط طول 31 شرقاً وهى ميناء مصر الأول وثاني أكبر مدنها وأهم مرافىء البحر المتوسط تقصده السفن من جميع أنحاء العالم ؛ وقد بنى الاسكندر المقدوني الإسكندرية عام 332 ق.م وكانت عاصمة مصر قبل الفتح الاسلامى ؛ دخلها الإسلام في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقيادة عمرو بن العاص رضي الله عنه عام 20 هـ ؛ وظلت الإسكندرية بعد الفتح الإسلامي محتفظة بتخطيطها القديم من شوارع مستقيمة تتقاطع فيما بينها عمودياُ على شكل رقعة الشطرنج ؛ ثم شهدت الإسكندرية عهداُ جديداً من الرخاء والازدهار في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري – التاسع الميلادي ؛ وفى عهد الفاطميين أصبحت الإسكندرية قاعدة لأسطولهم في البحر الأبيض المتوسط ؛ وفى العصر الأيوبي اهتم صلاح الدين بالإسكندرية إهتماماً عظيماً فزودها بالمدارس وأماكن الحراسة وعمل على تحصينها وترميم أسوارها ؛ ثم جاءت دولة المماليك والذي يعتبر عصرهم العصر الذهبي للإسكندرية فقد بلغت فيه ذروة تقدمها العمراني لاهتمام الملوك والسلاطين بها ؛ وفى عصر دولة المماليك الشراكسة نالت الإسكندرية نصيباً وافراً من عناية السلاطين الشراكسة وأولهم السلطان برقوق والأشرف برسباى ؛ ثم إنكمشت الأهمية الاقتصادية لميناء الإسكندرية باكتشاف البرتغاليين طريق رأس الرجاء الصالح عام 892 هـ ؛ واشتهر في الإسكندرية العديد من العلماء في شتى فروع العلم المختلفة قديماً قبل الفتح الأسلامى وبعده مثل يحيى النحوي المعروف بـ" غرما طيقوس " ؛ وأريبا سيوس ؛ وماغنس ؛ وفوليس المعروف بالقوابلى والكنانى وبليطان السكندرى ؛ ومريا نوس ؛ والعلامة ابن أبى مطر وابن عباد الإسكندرانى وابن الفحام المقرى وابن الحمشى وابن عطاء الله السكندرى وابن القاسم النويرى ؛ وابن المنير وتاج الدين الفاكهانى واللخمى وغيرهم .
يتبـــــــــــــــــع